responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 465
وَقَالَ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ، وَالصِّدِّيقُ، هُوَ الْبَالِغُ فِي الصِّدْقِ وَصَفَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجَرِّبْ عَلَيْهِ كَذِبًا وَقِيلَ: لِأَنَّهُ صَدَقَ فِي تَعْبِيرِ رُؤْيَاهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَظِّمَهُ، وَأَنْ يُخَاطِبَهُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُشْعِرَةِ بِالْإِجْلَالِ ثُمَّ إِنَّهُ أَعَادَ السُّؤَالَ بِعَيْنِ اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَلِكُ وَنِعْمَ مَا فَعَلَ، فَإِنَّ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا قَدْ يَخْتَلِفُ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ فَالْمُرَادُ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ بِفَتْوَاكَ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ فَضْلَكَ وَعِلْمَكَ وَإِنَّمَا قَالَ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ بِفَتْوَاكَ لِأَنَّهُ رَأَى عَجْزَ سَائِرِ الْمُعَبِّرِينَ عَنْ جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَخَافَ أَنْ يَعْجِزَ هُوَ أَيْضًا عَنْهَا، فَلِهَذَا السَّبَبِ قال: لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ.

[سورة يوسف (12) : الآيات 47 الى 49]
قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)
اعْلَمْ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَكَرَ تَعْبِيرَ تِلْكَ الرُّؤْيَا فَقَالَ: تَزْرَعُونَ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ:
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ [الْبَقَرَةِ: 228] وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ [الْبَقَرَةِ: 233] وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْخَبَرُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ فِي صُورَةِ الخير لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِيجَابِ، فَيَجْعَلُ كَأَنَّهُ وُجِدَ فَهُوَ يُخْبِرُ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ قَوْلُهُ: فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ وَقَوْلُهُ: دَأَباً قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الدَّأَبُ اسْتِمْرَارُ الشَّيْءِ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ دَائِبٌ بِفِعْلِ كَذَا إِذَا اسْتَمَرَّ فِي فِعْلِهِ، وَقَدْ دَأَبَ يَدْأَبُ دَأْبًا وَدَأَبًا أَيْ زِرَاعَةً مُتَوَالِيَةً فِي هَذِهِ السِّنِينَ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: الْأَكْثَرُونَ فِي دَأَبٍ الْإِسْكَانُ وَلَعَلَّ الْفَتْحَةَ لُغَةٌ، فَيَكُونُ كَشَمْعٍ وَشَمَعٍ، وَنَهْرٍ وَنَهَرٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
وَانْتَصَبَ دَأَبًا عَلَى مَعْنَى تَدْأَبُونَ دَأَبًا. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَصْدَرٌ وُضِعَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَتَقْدِيرُهُ تَزْرَعُونَ دَائِبِينَ فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ كُلُّ مَا أَرَدْتُمْ أَكْلَهُ فَدُوسُوهُ وَدَعُوا الْبَاقِيَ فِي سُنْبُلِهِ حَتَّى لَا يَفْسَدَ وَلَا يَقَعَ السُّوسُ فِيهِ، لِأَنَّ إِبْقَاءَ الْحَبَّةِ فِي سُنْبُلِهِ يُوجِبُ بَقَاءَهَا عَلَى الصَّلَاحِ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ أَيْ سَبْعُ سِنِينَ مُجْدِبَاتٍ، وَالشِّدَادُ الصِّعَابُ الَّتِي تَشْتَدُّ عَلَى النَّاسِ، وَقَوْلُهُ: يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ هَذَا مَجَازٌ، فَإِنَّ السَّنَةَ لَا تَأْكُلُ فَيُجْعَلُ أَكْلُ أَهْلِ تِلْكَ السِّنِينَ مُسْنَدًا إِلَى السِّنِينَ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ الْإِحْصَانُ الْإِحْرَازُ، وَهُوَ إِلْقَاءُ الشَّيْءِ فِي الْحِصْنِ يُقَالُ أَحْصَنَهُ إِحْصَانًا إِذَا جَعَلَهُ فِي حِرْزٍ، وَالْمُرَادُ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْرِزُونَ أَيْ تَدَّخِرُونَ وَكُلُّهَا أَلْفَاظُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ السَّبْعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ سُنُو الْخِصْبِ وَكَثْرَةِ النِّعَمِ وَالسَّبْعَةُ الثَّانِيَةُ سُنُو الْقَحْطِ وَالْقِلَّةِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ مِنَ الرُّؤْيَا، وَأَمَّا حَالُ هَذِهِ السَّنَةِ فَمَا حَصَلَ فِي ذَلِكَ الْمَنَامِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ حَصَلَ ذَلِكَ مِنَ الْوَحْيِ فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَحْصُلُ بَعْدَ السَّبْعَةِ الْمُخْصِبَةِ وَالسَّبْعَةِ الْمُجْدِبَةِ سَنَةٌ مُبَارَكَةٌ كَثِيرَةُ الْخَيْرِ وَالنِّعَمِ، وَعَنْ قَتَادَةَ زَادَهُ اللَّه عِلْمَ سَنَةٍ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَتِ الْعِجَافُ سَبْعًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السِّنِينَ الْمُجْدِبَةَ لَا تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَاصِلَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقَحْطِ هُوَ الْخِصْبُ وَكَانَ هَذَا أَيْضًا مِنْ مَدْلُولَاتِ الْمَنَامِ، فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّهُ حَصَلَ بِالْوَحْيِ وَالْإِلْهَامِ؟
قُلْنَا: هَبْ أَنَّ تَبَدُّلَ الْقَحْطِ بِالْخِصْبِ مَعْلُومٌ مِنَ الْمَنَامِ، أَمَّا تَفْصِيلُ الْحَالِ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فِيهِ يُغاثُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 465
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست